تململت في فراشي قبل ان أرفع سماعة الهاتف اللعين،من هذا الذي يزعجني في منتصف الليل.
كان يتكلم بصوت يخالطه البكاء..أرجوك،أحضر حالاً..
لا أستطيع ان أتأخر عنه،فهو صديقي الوحيد في بلاد الغربة والصقيع،لبست ثيابي،وانطلقت مسرعاً بسيارتي بين شوارع العاصمة الرومانية الخالية من الناس في هذا الوقت المتأخر من الليل..
خرجت من المصعد لأجده ينتظرني على باب البيت،ومن غير أن أسأله عرفت ما حصل من اصفرار وجهه الأبيض،الذي طالما ما قرأت أسراره من دون أن يتكلم..
كانت زوجته لوليانا تخبئ رأسها بين يدها متكئة على الكرسي بجانب الثلاجة،وأول ما رأتني ألقت برأسها
على صدري،وأجهشت بالبكاء،فرحت أهمس لها ببعض الكلمات الدافئة لأشجعها على تحمل المصاب الأليم
نظرت الى صديقي وسألته بتحريك رأسي وعيناي..أين هو !!
أشار بيده إلى غرفة النوم،فأجلست لوليانا على الكرسي،ودخلت إليه..
كانت الشموع المشتعلة بجانب جسده الصغير تزيد الجو كأبة وحزناً يعتصر القلوب،فيقشعر الجسد من هيبة الموت..
وضع يده على كتفي،وهمس لي
- يجب أن ندفنه قبل ان يطلع الصباح
- نعم ولكن لماذا لا ندفنه غداً!!!
- لا أستطيع تركه في البيت،الا ترى لوليانا تكاد تموت من الحزن،أرجوك ياصديقي ساعدني لندفنه فقلبي يخفق وقواي تنهار كلما نظرت اليه..
- ولكن البارحة كانت قد تحسنت حالته بعد أن ذهب الطبيب،فما الذي حصل!!
- نعم ياصديقي،لقد تحسنت حالته ولكن فجأة بدأ يتقيئ وسأت حالته حتى لفظ انفاسه الاخيرة.
حملته بين يدي وضممت جسده الملفوف بغطاء ناعم إلى صدري،وخرجت من غرفة النوم لأجد يوليانا
بانتظاري،تصرخ وتبكي،،أرجوكم اتركوه،لا أستطيع فراقه..سأموت من بعده..
مسكها صديقي بينما خرجت به من باب البيت،ولحق بي إلى السيارة..
مددت جسده الصغير على المقعد الخلفي،ركبنا السيارة،وانطلقنا الى المقبرة التي تقع على اطراف المدينة،وصلنا بسرعة لان الطريق كانت خالية من السيارات في الليل،ولكن المفاجئة ان حارس المقبرة
منعنا من الدفن من دون تصريح طبي،فعدنا الى المدينة لنستخرج تصريخ الدفن من الطبيب..
كانت الساعة الرابعة صباحاً،وصديقي قد انهار تماماً،فطلبت منه ان أوصله الى البيت،وأن أكمل اجراءات الدفن لوحدي،وبصعوبة استطعت أن أقنعه،وأوصلته حتى باب مصعد بيته وعدت إلى السيارة
أنتظر حتى يطلع الصباح لأذهب الى المستشفى لاستخرج التصريح..
كان التعب قد نال مني والنعاس يطبق على جفوني وأنا أتنقل بسيارتي من شارع لاخر،وفجأة رأيت على
جانب الطريق حاوية كبيرة للقمامة،فوقفت بجانبها،ونزلت من السيارة،ثم التفت يميناً ويساراً،فلم أرى أحداً،أخرجت الجثة من السيارة والقيتها بالحاوية،وركبت السيارة وعدت مسرعاً الى البيت،ارتميت على السرير،ورحت أغط في نوم عميق..
هذه المرة استيقظت على صوت الهاتف وكانت لوليانا تتكلم بصوتها الحزين..
- نعم لوليانا ماذا حصل
- اريد زيارة ريكس لأضع الزهور على قبره
- من ريكس !!!
- كلبي الذي دفنته البارحة
- لقد دفنته في حديقة منزلي،تعالي كل يوم وأرمي فيها الزهور
أغلقت الهاتف،ثم أغمضت عيناي على ابتسامة ماكرة.